تنهي شركة Apple مؤتمراتها بالتذكير أنها طالما كانت محظوظة في صنع منتجات تغيّر أو تبدأ مجالات بأكملها، كما أن إداريّي الشركة دومًا يؤكدون أن Apple لن تدخل مجالًا إلّا إن كانت واثقة بأنها ستضع فيه تغييرًا وإبداعًا. والمشهد مرّة أخرى يتكرر مع تقنية الواقع المعزز.
كانت تقنية الواقع المعزّز أحد المميزات الجديدة في نظام iOS 11، فلقد أتاحت Apple حزمة ARKit إلى جميع المطوّرين، هذه الحزمة تساعد المطوّرين على إنتاج تطبيقات وألعاب الواقع المعزز بسهولة تامة. وخلال أيام قليلة استطاع مئات من المطورين الهواة استخدام ARKit لتسجّل لهم أول تعامل مع الواقع المعزز.
في الأعوام المقبلة، السبب الرئيس الذي سيجعل الواقع المعزز تقنية مفروضة على جميع الشركات، المتخصصة بالأنظمة مثل Google وMicrosoft، والمتخصصة بالأجهزة مثل Samsung، هو أن Apple استطاعت تقديم التقنية بأداء متطوّر وإلى ملايين المستخدمين دفعة واحدة، ولم تسعى إلى محاولة إبهار التقنيين بالكشف عن مراحل تطوير التقنية.
ليست المرّة الأولى
سابقًا في 2013، كشفت Apple عن الايفون 5s بقارئ البصمة Touch ID، فكرة البصمة في الهواتف الذكية تواجدت قبل إطلاق الايفون الأول، في هواتف مثل Toshiba G500، إلّا أن التقنية لم تصبح ذات شعبيّة إلّا عندما أنتجتها Apple. قارئ البصمة يعتبر مثالًا بارزًا وواضحًا، ولكن قُدرات Apple في نشر التقنية وجعلها سائدة في جميع المنتجات الإلكترونية تعود إلى بداية وأساسيّات الكمبيوتر، مثل واجهة المستخدم الرسوميّة في الكمبيوتر مع Apple II، وواجهة اللمس في الهواتف الذكية مع الايفون. سجل شركة Apple مليء بالأمثلة المشابهة، وسرد ذلك لن يزيد الحجّة قوّة.
فقط Apple لديها “الخلطة”
في العادة لا تكون شركة Apple الأولى في الوصول إلى التكنولوجيا، فذلك يحصل عادة في داخل الجامعات والشركات المختصة بالأبحاث والشركات الناشئة ذات الأفكار الجديدة، ولكن لدى Apple ثلاثة عوامل تجعلها قادرة على إجبار المزايا على النجاح، وهي: نشر الميّزة بين ملايين المستخدمين، جعل الميّزة سهلة الاستخدام، وامتلاك الجرأة لتجربة مميّزات جديدة.
قدرة Apple على نشر المميزات بين ملايين المستخدمين موجودة بسبب العدد الضخم لمحبّيها وزبائنها الشغوفين بمنتجاتها وقدرتها على إصدار تحديثات تصل إلى مئات الملايين من المستخدمين دفعة واحدة، في مجال الهواتف الذكية، لا يوجد شركة أو منتج واحد له هذا الانتشار، فأجهزة جالاكسي منتشرة من حيث العدد، ولكن لا يصلها تحديثات مباشرة، وجهاز Google Pixel تصله التحديثات بسرعة أعلى ولكن مبيعاته في عام كامل لا تتجاوز مبيعات الايفون خلال أول يومين من إطلاقه.
العامل الثاني، إمكانيّة جعل الميّزة سهلة الاستخدام، تتطلب العديد من السنوات، وهي أحد الأسباب التي تؤخر Apple بإطلاق أحدث التقنيات مبكّرًا، فمثلًا، هاتف الايفون سبقه العديد من الهواتف “الذكية” التي احتوت مميّزات متقدمة مثل البريد الإلكتروني والتصفح والتطبيقات، إلّا أن جميعها كان – حرفيًّا – يتطلب قراءة دليل المستخدم حتّى يحصل المستخدم على مراده، أما الايفون، وإن تأخر بضع سنوات، تخطّى جميع قدرات الهواتف التي سبقته وبواجهة شديدة السهولة.
العامل الأخير، الجرأة، حقيقته ليست كظاهره، فشركة Apple، كأي شركة ربحيّة، عليها ختم الفصول المالية بأرقام مبهرة وقياسية، وصرف المليارات على الأبحاث والتطوير لميّزة قد تفشل قبل أن تعود بعائدها مخاطرة فعلية، ومن أبرز أمثلة الجرأة هو تخلّي الايفون 7 عن فتحة وصلة السماعة بالكامل، وواجهت Apple بهذه الخطوة مخاطرة كبيرة، فهي أصبحت مجبرة على توفير بديل كفؤ، أي سماعات AirPods، وتوديع نسبة من الزبائن الذين يرفضون التخلي عن فتحة السماعة، ولكن خلال السنوات المقبلة مرجّح جدًا أن تتّبع جميع الشركات خطوة Apple والاعتماد على السماعات اللاسلكية أو الموصولة بفتحة الشحن.